أزمة التعينات في القطاع الحكومي الليبي
مقدمة هامة :
منذ الانقلاب العسكري سنة 1969م ، الذي على اثره تم تحويل الملكية الليبية المستقلة حديثا الى جمهورية شعبية غوغائية لم تعرف يوما الاستقرار السياسي على مستوى نظام الحكم.
لعب هذا التحول نقلة غاية في الانحدار من دولة مؤسسات الى جمهورية الموز الغوغائية ، ظهر مفهوم الاشتراكية الحكومية على جميع مستويات السلطة ، القضاء ، القانون ، الامن القومي ، و الحكم.
ظهر مفهوم السلطة العامة، الأموال العامة ، الخزانة العامة ، التعليم العام بكل مراحلها ، الصحة العامة ، الامن العام ، وغيره من التعميم المطلق لسلطة جمهورية الموز الليبية الغوغائية.
أصبحت سلطة الجمهورية تتحكم في كل شيء في ليبيا ، هي المسؤولة على التصدير و الاستيراد ، هي المسؤولة على الاعلام والصحف ، هي المسؤولة على البناء والاعمار ، هي المسؤولة على التوظيف في القطاع العام الذي كان يتوسع و يتمدد كالأخطبوط في كل شيء في ليبيا.
تحولت جمهورية الموز الليبية الغوغائية الصاعدة بقوة الى الوصي على الشعب الليبي ، بمثابة الاب الوصي على أبنائه والمتحكم في مصيرهم بشكل قاطع ، لأنه المتحكم في المورد الذي يغذي هذا الشعب ، الذهب الأسواد الذي حول حياة الليبيين الى سواد ، يدفع ثمنه الأجيال الليبية كاملة و مازالت سوف تدفع.
أصل المشكلة الليبية هي الوصاية على حياة الليبيين:
تأسس النظام الحاكم بعد انقلاب 69 على قاعدة الوصاية التامة على الفرد الليبي من ولادته الى وفاته ، وعلى أساس هذه القاعدة دمر جيل كامل في ليبيا ، شمل كل من ولدو في السبعينات والثمانينات والتسعينات ، لم ينجو احد من وصاية النظام ، وتم التلاعب بحياتهم وتدمير مستقبلهم بكل استهتار ولا مبالات.
شملت الوصاية أسلوب العيش و التعايش بين الليبيين ، والتحكم بدخل كل فرد في المجتمع ، عبر التحكم في سوق الوظائف الوحيد ، سوق وظائف القطاع العام ، ما يعرف في الوسط الشعبي بالتعينات الحكومية.
سعت جمهورية الموز الليبية الصاعدة الى تدمير القطاع الخاص تماما:
القطاع الخاص في ليبيا ، عبارة عن شركات ومصانع تقتات من المال العام ، عبر المنح والقروض التي تقدمها مصارف الجمهورية الصاعدة ، ومن خلال تلك القروض والمنح تم التحكم و التدمير الممنهج للقطاع الخاص الناشئ ، عبر انتشار الفساد والرشاوي في البنوك العامة والوسائط القبلية و المنطقِيَّة التي كانت تقدم الكثير من تلك المنح والقروض لمشاريع وهمية غير ناجحة ، او فاشلة بسبب عدم وضع دراسة جدوى حقيقية لها.
هناك من استطاع النجاة و النجاح عبر تلك المنح والقروض ، لكن لم يترك هكذا ، تم تدميره تدريجيا عبر المضايقات الجمركية و مضايقات الضرائب ، والمسؤول عن هذه المضايقات المجموعة القبلية الجهوية الفاسدة داخل المناطق والمدن الكبرى التي لا تحب ان ترى نجاح في ليبيا بشكل عام.
هذه المجموعات المنطقية الجهوية الفاسدة الموجودة داخل كل منطقة في ليبيا ، تسعى ليلا ونهارا وراء مصالحها الخاصة تسعى وراء نهب كل الأموال العامة دون ادخار أي جهد أو قت لسرقة المال العام.
لا يمكن نكران الدور السلبي للشعب الليبي اتجاه الفساد ، فالفساد داخل دوائر القطاع العام في الغالب يتحكم فيه الليبيين.
يعتبر الفرد الليبي بصورة عامة ان المال العام مستباح ويمكن سرقته.
لدرجة انه يعتقد ان سرقة المؤسسة الذي يعمل فيها لا يعد سرقة بقدر ما هو حق من حقوقه.
نهب المؤسسة التي يعمل فيها والاستفادة منها بأي شيء لا يعد سرقة ، على سبيل المثال يمكن للموظف الليبية في القطاع الإداري العام ، سرقت مكتب وكرسي و كمبيوتر من عمله ، دون ان يعاقب ، بشرط الا يكون علنيا ، يعني عليه إخفاء ما سرق,
ضميره يسمح والبيئة المجتمعية المحيطة بيه تبيح له هذا النوع من السرقة بشكل يجعل من مجتمعنا مجتمعا منافقا بصورة بائسة.
و أعتقد ان وراء هذه السلبية هي الأفكار والمفاهيم التي زرعتها جمهورية الموز الليبية ، حول ان المال العام حق من حقوق الشعب الليبي ، الذي يحق له اخذها متى شاء ، حتى لو كان عبر طرق مخالفة للقانون والدين والأخلاق.
أزمة التعينات في القطاع الحكومي الليبي:
تكدست اعداد الموظفين.
لم يعد هناك مجال لاستقبال اعداد أخرى.
كما ان الدولة اليوم بعد سنة 2011م لم تعد قادرة على دفع رواتب الموظفين ، لأسباب عدة منها الفساد المنتشر بشكل فاضح ، وأيضا الاعداد الهائلة التي يتم تعينها في القطاع العام ، بأعداد فلكية شبه كل شهر.
عمليات التعيين في ليبيا برمتها عمليات فاسدة ، غير منصفة ، وغير قانونية ، ولا تعتمد على الكفاءة ، بل تعتمد على الرشاوي ، والوسطاء ، والتحايل على القانون.
الفساد هو المسؤول بالدرجة الأولى على ازمة التعينات في القطاع العام ، خصوصا ان اغلب الموظفين هم في الحقيقة موظفون على ورق فقط ، أي لا يقدمون أي إنتاجية للدولة بالمطلق ، وان العدد الفعلي للموظفين الذين يقدمون إنتاجية فعلية ، قليل جدا لدرجة لا يمكن المقارنة بين العددين بالمطلق.
أساس المشكلة في هيكل النظام الليبي المؤسس على قاعدة الوصاية على الفرد الليبي.
يجب أولا القضاء على الوصاية والتحرر منها كليا.
ثانيا يجب تقوية القطاع الخاص و فتح السوق للجميع ، و قطع يد الدولة عن جميع موارد الدولة ، و خصوصا الذهب الأسود ، و جعل موارد الدولة للاستثمار الخاص ، الداخلي او الخارجي.
هكذا يتم تحويل دور الدولة من وصي على الشعب الليبي الى داعم له ، لتحقيق التنمية الفعلية عبر الاقتصاد الحر و المنتج.
يتم ذلك عبر مراحل عديدة وطويلة ، بحيث يتم قطع يد الدولة عن جميع الموارد ، تدريجيا وبسلاسة تامة ، و بأقل ضوضاء ممكنة.
ليس من السهل التخلص من نظام الوصاية ، الذي دام اكثر من 40 سنة قبل الثورة وأكثر من 10 سنوات بعد الثورة ، و مازال مستمر الى يومنا هذا.
تعليقات